ياسر مدخلي

“كيف” يصبح المسرح السعودي عالميا!

“تنهيدة الأحلام والشغف”

عندما بدأ مصطلح “المسرح العالمي” في التداول كان يقصد به الانفتاح على إبداع “الآخر” في دول وقارات متباعدة، وتطور المصطلح مع مرور الزمن ليشكل مفهوما جديدا مواكبا للعولمة التي ساهمت -نسبيا- في تكوين صورة أدق بعالمية الإبداع تقاس بمعيار الانتشار والتقبل، بذلك أستطيع أن أقول بأن المسرح العالمي هو الإنتاج المسرحي الذي تعدى حدوده المحلية ونجح في كسب تقبل الجمهور في بلدان أخرى من خلال التلقي والتفاعل وإعادة الإنتاج.
وهذه الكفاءة الإبداعية تحققت في مسرحنا منذ عقود والمؤشرات واضحة بردود الفعل المرصودة تجاه أثر إبداعاتنا المسرحية في المشاركات الخارجية، سواء على مستوى العرض أو النص وما حققه بعضها من جوائز تنَافس فيها مع مبدعين من دول متقدمة في نهضتها المسرحية.
• ربما يكون ماحدث للسينما الصينية في اوسكار 2023 مثال حي لعالميتها، وسبقها إلى العالمية الهند دون الحاجة للمنافسة والجوائز.
وعودا على بدء..
لدينا الأسماء المبدعة في الكتابة والأداء والإخراج ومتخصصون أكاديميا وخبراء ممارسون، والأرض الخصبة، والدعم السياسي والاقتصادي.. ويبقى علينا أن ” نحقق الأحلام” من خلال “ممارسة الشغف” لنترجم هذه الأهلية الوطنية إلى “قوة ناعمة” يكون لها ثقلها الثقافي الموازي للدور السياسي والاقتصادي للمملكة العربية السعودية، هذه القوة التي نمتلك أدواتها الخام لكننا للأسف لم نستفد من فرصة تحويلها إلى ذخيرة حية وطاقة قابلة للاستثمار المعنوي والمادي.
“كيف” هو السؤال، وهو السر، وهو التلميحة التي تقودنا لاكتشاف النفط الإبداعي لهذا الوطن العظيم، حقول لا تنضب من الكتابة والتمثيل والإخراج، قاومت ظروف صعبة لتنمية مهاراتها في عقود كان الاهتمام بالتنمية كبيرا لكن بعض المجالات الإبداعية خارج إطار الرؤية، في نقطة عمياء، ولكنها اليوم بطلة المرحلة وتتصدر الخطط وتتوسط “الكادر” ونراها بوضوح واعتدال.
بالمناسبة.. سبق وكتبت تصورا مطولا عن المسرح الوطني وهانحن ننتظر عودته بعد التوقف المفاجئ.
كيف يصبح المسرح السعودي عالميا؟
هذا السؤال العنوان قادني لوضع فرضية – كما أفعل في تجاربي المسرحية– فرضية للبحث والتأمل للوصول إلى إجابات حول الواقع وقراءة مايجب أن نكون عليه، ماهي “الأحلام” وكيف يدفعنا ” الشغف” لتحقيقها؟! في البداية علينا اكتشاف حجم أدواتنا وإمكانياتنا التي أعتبرها كنزا مطمورا ويتمثل في:

  1. نصوص مسرحية اجتماعية وفلسفية قابلة لإعادة الإنتاج محليا وخارجيا من خلال المعاهد والمدارس والجامعات وشركات الإنتاج واكاديميات والنقاد والصحافة المتخصصة التي ستبحث في طيات النشر الورقي والإلكتروني العربي والمترجم، فماهي أخبار دعم الإبداع المسرحي المكتوب! النصوص والدراسات والنشرات الصحفية والنقدية.
  2. أرشيف المسرح الذي لم يجد طريقا ممهدا نحو الباحثين ومسرحنا شهد مساهمات جادة منذ قرون على هذه الأرض الكريمة، متى نمتلك أرشيفا شاملا للمسرح السعودي بشكله المؤسساتي، ليكون متاح بشكل مهني وعلمي!
  3. المؤسسات الثقافية الغائبة عن المشهد الثقافي، التي تستنزف مقدراتها ومقراتها دون جدوى، نحن في أمسّ الحاجة إلى نفض الغبار وتطبيق أساليب “الهندرة” لتحقيق الموائمة مع التغييرات التي طرأت على معظم الوزارات والأنظمة ونحن حتى اللحظة نشهد تراجع دور الأندية الأدبية وجمعيات الثقافة والفنون والمكتبات والمراكز الثقافية.
  4. تصميم إجراءات الجهات المانحة وتحفيز القطاع الخاص للمساهمة في تنميته بما يتلائم مع ميدان القطاع المسرحي وواقعة المتعثر كثيرا عن التطلعات التي ينشدها المبدع، وتسريع العمل في تأهيل وتمكين واستثمار المواهب والإمكانيات.
  5. الفرق المسرحية، طاقات من الشباب المبدعين في أسوأ حالاتهم، لم يتمكنوا من الإنتاج ولم يحصلوا على الفرصة الكافية في النشاط المسرحي، الذي يظهر لنا حيويا وهو محبِط لعدم وجود فرصة حقيقية للعمل على مستوى الفرد والفرق.
  6. الاستدامة، هذا القطاع قادر – الآن أكثر مما سبق- ليكون نشطا ومستديما بتوفير اللوائح والبنية التحتية سيكون من السهل على الممارس والمواهب والمستثمر العمل بشكل مهني يجعل من القطاع متينا وقادرا على استقطاب رؤوس الأموال وسيكون من السهل تشجيعها ماليا ولوجستيا من قبل الجهات المشرفة ذات الاختصاص، لإنتاج عروض مستمرة لأعوام وقادرة على التجدد بأمان يدفع المستثمر إلى تطويرها ورفع مستواها الفني بثقة تجاه جدواها الاقتصادية بشكل استراتيجي.
  7. رموز المسرح والحفاوة الدولية التي يتمتع بها بعضهم، دافع لتكريسهم محليا ودوليا وتعزيز إبداعهم وتصديره بالشكل الذي يجعل المكتبة العالمية زاخرة بالفكر السعودي
    المسرح اليوم يطلق على المسرح التجاري الذي يهدف للترفيه والمسرح الأكاديمي القائم على أسس علمية، والمسرح الفلسفي الذي يهتم بالجدلية والمواضيع الفكرية.. ويجب علينا أن نتعامل مع المسرح بحسب نوعه وأهميته وأثره وكل من هذه الأنواع وغيرها مهم وله هدف في المجتمع.
    ومن هذا التأسيس السابق لفكرة العالمية ومقومات مسرحنا لبلوغها، نقفز من “كيف” لنقع في فخ “لماذا” لماذا لم يتحقق ذلك؟ وأعتقد شخصيا بأن هناك معوقات تجعل من مسرحنا منكفئا على نفسه، منفرا لطاقاته، محبطا لمواهبه، وغير مرغوب اقتصاديا.. ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
  8. طريقة التفكير في إدارة النشاط المسرحي، لقد انتهى العمل بأسلوب “الاتجاه الأحادي” إن المشاريع المتميزة تعمل بجدول يتزامن فيه الإجراءات بين العديد من الخطوات والأهداف وهذا ما يحتاج إليه المسرح، عمل متشعب متوازي ويستثمر تكاتف الجهود التي لا تضطر النشاط على التقلص والخمول وتطفئ جذوة الشغف لدى المسرحيين كما يحدث الآن.
  9. انعدام الثقة، المسؤول الذي يثق بنفسه لا يخاف من تمكين الخبراء والكفاءات الوطنية، لماذا يستمر تغييب الكاتب المسرحي السعودي (الناجح) والمخرج السعودي (المتميز) والممثل السعودي (المبدع) والفنيين السعوديين وأرباب المسرح الجماهيري وسدنة المسرح النخبوي الجاد،، لماذا يغيبون؟ لماذا لم تعد تعمل الفرق؟ لماذا تنهار الجمعيات، لماذا تقلصت أرقام الإنتاج المسرحي؟! ومازالت في تنازل!! الإجابة الصادقة لدى “زامر الحي”
  10. غياب المنافسة، إذا كانت المنافسة مرهونة بذائقة “المسؤول” أو “اللجنة الغير معلنة” أو “الشركة المنظمة” فهي منافسة غير عادلة؛ أولا: لغياب المعايير : لقد تحولت الفرصة من البحث عن أفضل عمل لتخضع لمعايير أخرى شخصية أكثر من كونها عملية ومهنية، ونحن بذلك نعود للوراء لعقود نريد أن ندفن فشلها، ثانيا: تكرر الأسماء واحتكار الفرص .. وهي من المؤشرات الواضحة للضرر الكبير الذي يسببه التنافس مع صاحب السطوة والحضوة .. حتى أصبح الموظف في الجهات المنتجة والداعمة أولى من غيره لإنتاج مسرحية أو المشاركة فيها.
  11. الدعم، نعم بات الدعم عائقا، فهذا السخاء اللامحدود والمخصص للإبداع الوطني يُصرف بناء على تقدير غير دقيق (عن تجربة) لأن القائم على تقديره لا يملك محددات وليس لديه خبرة إنتاجية سابقة، وكافية، ومن جهة أخرى نجد تقرير الاستحقاق لا يصدر منسجما مع التوجه العام الهادف لتنمية الإنتاج وتطوير القطاع، ولقياس الأثر كم سننتظر من الوقت، ولتصحيح المسار كم نحتاج من المال، لندفع ثمن الصمت عن نشاط يقدم البربجندا ليوهمنا بنجاحه وأرقامه لا تعكس أثرا على الواقع وهذا ما يجعله صوت واحد يسيطر على الميدان.
    وبداخلي حلم بوصول مسرحنا للعالمية متفوقا بمحليته رافعا راية وطني في ابتسامة كل معجب وضحكة كل مشاهد واهتمام كل فنان وناقد.. وهذا ليس صعبا، فإذا كانت ركائز العمل المسرحي (تأهيل – تمكين – استثمار) سنحقق الاستدامة وإذا تميز في (تكافؤ الفرص والشفافية والحوكمة) سنخلق بيئة آمنة وعادلة تستقطب المواهب والمحترفين والخبراء والأجانب والسياح والمتذوقين وتتولد لدينا قطاعات اقتصادية كبيرة ونامية وتخلق فرص العمل بشكل كبير وسريع.
    مسرحيات عديدة يمكنها أن تكون دائمة لسنوات، ومسرحيات أخرى قادرة على التجول في أرجاء الوطن، نحن بحاجة فقط إلى الوثوق بمسرحيينا ودعمهم.
شارك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top