لن يحتفل باليوم العالمي للمسرح .. المقاولون والدخلاء والمتسلقون؛ لأنهم يركضون خلف المناقصات والسهرات ومشغولون بمراجعة دفتر الأستاذ واليوميات.
وسينشغل – الفنانون- الساقطون والمؤلف “الإقطاعي” بجمع النكات الجديدة من مراهقي التواصل الاجتماعي.
وأما الحشاشون الذين دنسوا بنفث دخانهم الكواليس، يلعقون أصابع المنتجين ويجاملونهم بالنفاق والتدليس.
في اليوم العالمي للمسرح -هذا اليوم بالذات- لن يجد الجمهور مسرحية.. ولن يجد المسرحي النبيل مسرح ..
في هذا اليوم كل القنوات والمواقع، تقدم نشرات عن أحداث الشارع، وتنتج برامج عن السلاح والعتاد، ومسلسلات عن جرائم العنف والفساد، وأفلام كارتون هابطة، وتراجع أسهم الشركات القابضة، وتصاعد وتيرة الحرب، واستقرار نسبي للذهب .. وصور الحيوانات التي ستنقرض وعروض البنوك والتمليك، ومؤامرات الشركات في تشويه سمعة المنتجات وكيف أن عاداتنا الغذائية تسبب السرطان وأن المشي يعالج الإنسان .. سيخبرونا بكل داهية، حتى آخر مستجدات الكائنات الفضائية الخرافية..
ولن تُصنع مسرحية واحدة تحترم العقل وتجمع للأسرة الشمل، وتعزز الولاء بالأرض والانتماء للوطن وتسمو بخيالنا وتجنح بأرواحنا.
هل ستكون مسارحنا مغلقة، مظلمة صامتة، لا ضوء، لا لون، لا ضحكات، وهل سيحتفل المسرحيون في بيوتهم ككل عام؟! (أرجو أن يخيب ظني)
هذا ماسيحدث إن حصل ما اتوقع.. في هذا اليوم سأغلق الباب على نفسي، سأحتفل بـ”الشاي والجرايد” كما فعل يوسف الجراح في مسرحية للسعوديين فقط، وأدعو الله أن نتخلص من أمثال “العِفش مختار” الذي لايحبه بكر الشدي في نفس مسرحية للسعوديين فقط، و أتعوذ من “عبيد الضلع” الذي تشائم منه محمد العلي في مسرحية تحت الكراسي، وهو (الظالم) أبو عادل، الفاسد الأزلي المستديم. الذي نراه يتشكل كل مرة في صورة شخص آخر ..
وكأن عويس التاسع عشر، الذي لم تنته الـ24 ساعة “يوم حظه” منذ بدأت في منتصف الثمانينات وحتى اليوم!!
سأحتفل بمسرحياتنا السعودية التي تشبهنا، بخشبات المسرح العتيقة، بالبساطة العميقة، باللهجات السعودية المتنوعة التي قدمها الرواد معا وبانسجام على المسرح علي ابراهيم وبشير غنيم وفؤاد بخش وعلي الهويريني وخالد سامي وراشد الشمراني وعبدالله عسيري .. وغيرهم. في قطار الحظ و المهابيل
لا أنكر إعجابي بفيروز والرحابنة، ومحمد صبحي ودريد لحام وسعد الفرج .. ومازالت مطبوعة أعمالهم رغم أنها الوافدة على ثقافتنا، وكلنا لا ننسى قوة الإسقاطات التي يلقيها عادل إمام وأتذكر الآن :”الواد سيد الشغال” عندما قال: ناس عندها لحمة بتعزم ناس عندها لحمة عشان ياكلو لحمة … لكنها مضحكة عن المجتمع الذي قيلت فيه، لكن لا تمس وجداننا لذلك فإن أثر الأعمال الوافدة لا يصل بثقلها الكامل وعمقها الشهي..
لكن عزائي في المونولوج الذي كتبه راشد الشمراني وقدمه ناصر القصبي في “عويس19” عندما قال: “هذا المشروع الحلم، هذا المستقبل المزهر .. لمن؟ ” وعبدالله السدحان الذي تسائل ” إن هذا المشروع العملاق .. لماذا ؟” وعبدالرحمن الخطيب الذي داهمته التأتأة “سيدي المدير، سيدي المنصة ..” وأيضا المفارقة الكوميدية في الموقف الذي حدث بين راشد والعلي في مسرحية تحت الكراسي عندما دخل عليه بـ “بشت المدعوس” متظاهرا بأنه شخص مهم، أو ما لن انساه من لقطات مسرحية عودة حمود ومحيميد وبالذات دور عبدالله عسيري “محم برحس” (التهامي) مع راشد الشمراني “أبوهلال عابر المحيطات”.
لذلك لن أحتفل مع أحد طالما لن يكون الاحتفال مسرحيا، ليس تسجيلا لموقف ولا تمرد على الواقع، لا، إنه مجرد احتفال يتناسب مع ذائقتي الفنية كمشاهد، مشاهد عادي كما نقول، مشاهد سعودي يتطلع لمشاهدة مسرحية تحاكي المجتمع، وصوت يشبهه و قصة تحدث حوله، ومهتم بالمسرح يتمنى أن يرى امتدادا للمسرح الجماهيري في الثمانينات التي نهضت به الرياض وجدة والدمام والطائف.
امتداد يواكب التطور الكبير في هذا الوطن المجيد، أو سنبقى نخلد مابقي من ذاكرة الماضي لنتذكر دوما بأن مسرحنا عظيم وعميق وجماهيري وممتع لولا وجود بعض المتاجرين بالضحك والأجساد، تجارة في حقيقتها ليست مربحة لكنها رائجة، في زمن تكون القيمة بعدد المتابعين والمشاهدات.. وهذا لا يتوائم مع تحسين التجربة المسرحية وتعميقها كقوة إبداعية ناعمة وصلبة في نفس الوقت.
وأختم بتحية للأستاذ عامر الحمود و الأستاذ ماضي الماضي والأستاذ أحمد الدبيخي