ياسر مدخلي

الكتابة تكليف إلهي

هناك من يكتب ليجيب على أسئلة عالقة في ذهنه، أو يواجه مخاوف تحاصره، أو ليكتشف عالما جديدا، أو ليفرّغ مايكتنزه خياله من أحداث، والبعض يبحث عن متنفس، أو يدفعه فرط الغرور ليقول “أنا” بصوت عال وبطريقة النهائية ولا يسهل محوها.

ربما يكون الكبت سببا للكتابة عند أناس يحتاجون لفسحة القول.

وهناك من يعتقد بأن الكتابة كبسولة خلود لاسمه ومحاولة مشروعة على الأقل ليكون موجودا بعد وفاته.

هناك أيضا من يكتب بهدف التنبيه وآخر يرغب في لفت نظر العالم وكأن الكتابة نداء استغاثة.

إن الانغماس في الكتابة ممارسة علاجية، لأنها تطهّر الكاتب وتستنزف الطاقة السلبية من خلال ذلك الصراع المكتوب والمتخيل وهو صراع آمن يمكن السيطرة عليه.

ربما لا تبعدنا الكتابة عن الأحبة والعائلة ولكنها في الحقيقة تجعل منّا أشباحا في هذا الوجود وتضع علاقاتنا على حافة الانهيار دون مراعاة لحالتنا المضطربة مع ما يحيط بنا.

عندما فاجأني الدكتور يوسف البحري بسؤاله (كيف كتبت هذا النص؟) في حديثنا عن مسرحية الانتصار أو الموت أو كلاهما، قلت له أنا مجرد موظف نسخ، هذا ما أصبح عليه فور انتهائي من بناء الشخصيات وتفاصيل أبعادها.

أحيانا نجد أنفسنا مستمتعين باستسلامنا لسلطة من صنعنا ونتألق كلما كانت الورطة محبوكة وخانقة.

فتنمو القصص وتتكاثر في داخلنا وتتطور ونحتاج إلى ذلك الانفجار الذي يترك مساحة كافية فينا لولادة قصة جديدة.

بعض الأقلام تدفعنا للقول لنكتب ونفرض صوتنا على الوجود على هيئة حكاية، برغم أننا نبدأ دون معرفة نهايتها ولا نرى بشكل واضح مآلات الأحداث.

أحيانا كثيرة لا نعرف متى تنطفئ متى تأخذ هذه القصة منعطفا أو متى نُصاب بالدهشة وكم مرة يمكننا أن نجعل المشاهد أو القارئ يتساءل .. وماذا بعد؟

دائما ما أسأل نفسي.. أين تتكون القصص هل هي في العقل؟ حيث المنطق والأدوات الأكثر هندسية والحسابات الرياضية! أم في القلب الذي يزخر بالعاطفة والأحلام.. أم في الصدر تتنفس مع الرئتين كرئة ثالثة.. أم أن لكل قصة مكان مختلف تتخلق فيه!!

من الأشياء الجميلة في الكتابة (قانون الأسلوب) كما أحب أن أسميه، فلكل قلم أسلوبه الخاص في خوض غمارها وبغض النظر عن المخرجات فإن أسلوب تصنيع القصة كممارسة حرفية تلقي بظلالها على كيفية الكتابة من منظور كل كاتب كيف يبدأ متى ينتهي ماهو طقسه، كم مسودة، آلية التنقيح، الحذف والتعديل والإضافة، هذه الإجراءات التي يقوم بها كل منا على طريقته الخاصة تؤثر بشكل واضح على أسلوبنا ضمن عدة مؤثرات مثل طاقة الخيال ومساحة العمل والمخزون اللغوي…

نحن معشر الكُتّاب في أجناس الدراما بالذات، نمارس عملا/مهنة لا تندثر فالحكايات لا تنتهي وستبقى الدراما مرتبطة بالوجود الإنساني والميزة التي نغفل عنها – في معظمنا- أن الحكايات التي نكتبها للمسرح او السينما أو التلفزيون أو للقراء الرواية والقصص، هي محاولة لمحاورة الآخرين على مر العصور التي تلينا، كل العابرين بالمشاهدة أو القراءة.

دائما ما أقول أن الكتابة تكليف إلهي، لا تأتي برغبة الكاتب بل بمدى استعداده وأهليته، وهذا لا يعني أنها منحة قد يحصل عليها من لايستحق، أو هبة نرزق بها ترفا. إنها مهمة عمل فعندما تشعر بأنك كاتب فهذا يؤكد بأن من حولك بحاجة لوجود شخص مثلك وتم اختيارك أنت لهذه المهمة.

شارك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top