في تدوينة سابقة نشرتها في 13 نوفمبر 2024 كنت تحدثت عن بناء المسارح، وقفز إلى ذهني سؤال.. متى تبنى المسارح، هل قبل الاكاديميات أم بعدها، فوجدت نفسي أفكر في مراحل هذه الصناعة لتكون مؤثرة وثابتة..
صناعة المسرح تمر بعدة مراحل:
التأسيس: وهي المرحلة التي تنتج للقطاع بنية تحتية احترافية، يديرها موظفون ويشغلها الأخصائيون، ويقودها مهنيون وفق تشريعات وقوانين وخطط استراتيجية مرنة ومواكبة للمتغيرات.
النهضة: هذه المرحلة ينمو فيها الإنتاج الأكاديمي، ويكون التدريب منهجيا ييتحرك باتجاه تكوين سوق العمل وقوانينه المهنية ومؤسساته الأكاديمية وتوفير الامكانيات المحفزة لتكوين شركات الإنتاج والفرق المسرحية، وهي مرحلة حساسة لأنها يجب أن تحقق تنوع الإنتاج وتكافؤ الفرص ولا تغفل أهمية جذب الجمهور بكل فئاته. الانتشار: في هذه المرحلة ينضج سوق العمل أكثر وتتوسع الوظائف لتشمل المهام الإبداعية، وهي مرحلة تنجح بوجود العروض التفاعلية والعروض الدائمة والمتنقلة وتتميز بوجود منافسة قوية بين المنتجين في استقطاب المواهب وإنتاج العروض التي تحقق إيرادات عالية وجذب للجمهور المحلي.
الثقافة: هذه مرحلة القوة الناعمة، وهي تعبر عن صلابة الإرث الإبداعي وهوية مميزة للحالة المسرحية والمشتغلين فيها، وتشكل ملامح الأدب وسمات الفن وتكرس الرموز وتجذب جماهير وصناع من الخارج للمشاركة في سوق حيوي ومؤثر، وتنجح هذه المرحلة عندما يتم تصدير العروض للخارج وتستقطب السياح، ويبدأ العمل على شراء حقوق الملكية الفكرية لتنتج القصص والشخصيات بلغات أخرى.
أزعم بأن هذه المراحل وبهذا التسلسل هي الطريقة الوحيدة التي تؤسس لقطاع المسرح ويكون قادرا على النمو ومواكبا للظروف، ولا يمكن بأي وسيلة كانت أن تتشكل صناعة مسرحية بالقفز على أي مرحلة أو السير بعكس الترتيب الذي ذكرت.
في أي مرحلة ترى المسرح اليوم!
يمكنك الإجابة من خلال التعليق على التدوينة…
كيف تنجح صناعة المسرح:
البنية التحتية: من خلال بناء المسارح وتهيئة الفضاءات واستغلال الاماكن العامة مثل المدن التاريخية والحدائق العامة والمباني المهملة… وهذا يخدم التوجه التنموي لأي مجتمع ويبعث الحياة في الكثير من الأماكن التي يطغى عليها الجمود والرتابة
التشريعات: سن القوانين لتنظيم الممارسة الإبداعية يساعد في توثيقها والترويج لها وجذب الجاهير إليها وحماية المهنيين فيها وتحفيز رؤوس الاموال لخوض مغامرة الإنتاج المسرحي، وليكون قطاعا تحميه الأنظمة ويخضع للحوكمة ويمتثل لاحتياجات الاستراتيجية الثقافية والإعلامية للبلاد.
الاستثمار: الصناعة هي انعكاس لتطور الاستثمار وتنوع مصادره وزيادة مايحققه من إيرادات تضمن للشركات أرباحا وتحقق للمنظمات استدامة وتشكل بيئة خصبة لتحسين الاوضاع الاقتصادية للمهنيين ورفع إنتاجهم الإبداعي المؤثر اجتماعيا وثقافيا.
المحتوى: الناس يحبون الحكايات الجيدة، والقصص المشوقة التي تحرك الأمعاء والشخصيات التي تحرك العواطف والأفكار تجعل الدماغ يعمل.
المواهب: لا يمكن أن تجعل المسرح ينجح بممثلين يبدون وكأنهم يقرأون. المسرح يحتاج إلى أشخاص يستطيعون تجسيد الشخصيات بشكل مؤثر.
الإخراج المبتكر: الإخراج ليس مجرد وضع ممثلين على المسرح وتحريكهم يجب أن يكون هناك رؤية، مفهوم، أو على الأقل تقديم عرض مشوق لا يتمكن فيه الملل من التسلل إلى الجمهور.
الإنتاج الجذاب: الاستعراض البصري والأداء الصوتي يجب أن يكون ممتعًا، والأجواء التي تعيشها شخصيات العرض عامل مهم للحصول على إعجاب المتلقي.
التسويق والترويج: حتى لو كان لديك أفضل العروض، لن يأتي الجمهور إذا لم يعرفوا بها. استخدم الإعلانات، الإعلام الاجتماعي.
التفاعل مع الجمهور: العروض الحية تفترض تفاعلًا. اجعل الجمهور يشعر بأنه جزء من العرض، سواء من خلال الكوميديا أو الدراما المكثفة، يمكن أن يجعل تجربتهم غير منسية.
الابتكار والتجديد: لا تخف من تجربة الصيغ الجديدة أو استعراض القصص التقليدية بطريقة جديدة. قد يبدو التمثيل باستخدام الدمى مثيرًا، ولكن إذا تم تنفيذه بشكل سيء سيكون محبطا. الجمهور ينبهر بالابتكار والجودة.
التمويل والدعم المالي: الفن لا يعيش على الشغف وحده. تحتاج إلى تحقيق إيرادات لتغطية التكاليف. وضمان الاستدامة. والتطوير، ابحث عن رعاة، منح، أو حتى استثمارات.
التعليم والتدريب: تطوير الجيل القادم من الممثلين والمخرجين والمنتجين يمكن أن يحافظ على الصناعة حية ومتجددة، وتكوين فريق مهتم بالتدريب المستمر ينمي القدرات بشكل مذهل. أخيرًا، تذكر، كما قال المسرحي الشهير، “المسرح هو مرآة تعكس كل ما في حياة البشر”. إذا كانت هذه المرآة مليئة بالمضامين العميقة، السخرية الحادة، والأداء الذكي، فأنت على الطريق الصحيح نحو النجاح.