
مسرح – كتبت: سامية البريدي – منشور في مجلة اليمامة 11/07/2024
تعتبر الثقافة محورا مهما وأساسيا من منظور رؤية السعودية 2030م ، والمسرح جوهر مهم للنهضة الثقافية التي تشهدها البلاد، ومما لا شك فيه بأن لدى السعودية إرثاً ثقافياً وأدبياً مما يجعلها تنتج مسرحا يشبهها ويغرف من تراثها المتنوع، إذ أكد سلطان البازعي الرئيس التنفيذي لهيئة المسرح والفنون الأدائية: أن المملكة ستشهد حراكاً مسرحياً خلال الفترة القليلة المقبلة، بعد سنوات طويلة من الغياب، وذلك في ضوء رؤية المملكة 2030 ، وأن الهيئة لديها العديد من المهام الإستراتيجية التي تعمل عليها حالياً، لعل أبرزها إعادة علاقة الجمهور بالمسرح، وجعله حاضراً في الحياة الثقافية للمواطنين السعوديين والمقيمين في المملكة.
لذلك كان لـ “ اليمامة “ لقاء مع ياسر المدخلي كـاتب وبـاحث ومـدرب مـسرح مؤسس ورئيس مجلس إدارة جمعية “مسرح كيف” المشرف على إنتاج المسرحيات في موسم الرياض (منتج أول). وكان الحوار:
كيف ترى المسرح عن سائر الفنون؟
يعد المسرح من الفنون العريقة، وعلاقته وطيدة بالإنسان، فهو من الممارسات التي رافقت الخليقة في تقلباتها منذ الوعي بأهمية القصة وتجسيدها والبحث في الوجود والأخلاق والقيم.
وينعكس هذا العمق الذي يتمتع به المسرح على المشتغلين فيه بجدية، والممارسين لفنونه باهتمام ويؤثر في نظرتهم للحياة، ويعينهم على بذل الجهد للتواصل مع المجتمع بهدف تكوين رؤية جديدة للحياة وعلاقات البشر ومستقبلهم.
وبرغم المنافسة القاسية التي واجهها المسرح من ظروف الحروب والكوارث والتقنيات الحديثة التي غزت الحياة اليومية إلا أنه يظل الفن الأوحد والأقدر على تقديم حالة اجتماعية وعاطفية وقيمية يقدمها الإنسان للإنسان فورا دون وسيط يسطح هذه العلاقة المباشرة والتي تنجح بقدر مصداقيتها.
ماهي نظرتك حول الحركة المسرحية في السعودية مقارنة بالمسارح العربية والعالمية؟
المسرح العربي يشبه المسرح في العالم، يعاني من قلة الاهتمام، وفجوة كبيرة تتسع بين الجمهور والمسرح، وهذا ينذر بمشكلتين تتفاقم بسرعة ولا يمكن تداركها بسهولة، الأولى ضمور التجربة المسرحية، فلا ينتج المسرح أشكاله الجديدة ولا يواكب التغييرات المحيطة بالإنسان وعصره، والثانية يتصدر الإنتاج السطحي والمبتذل ويسيطر على ذهنية الجمهور ويستولي على اسم المسرح ويتسمى باسمه وهو منه براء.
لذلك يحتاج المسرح المحلي والعالمي عمل دؤوب وجاد على استراتيجية واضحة لتمكينه من أداء دوره الاجتماعي والثقافي والترفيهي باعتدال وتصميم مشاريع ومبادرات تحقق له الاستدامة، ومؤشرات تعكس أداءه وتطوره وعمل مؤسسي يعزز الجانب المهني وحوكمة واضحة تؤسس لأرضية قانونية وإدارية صلبة ليعبر المبدعون عن قصص المجتمعات وحضارتها ويكون مصدرا للدخل ورافدا للمواهب.
صنعت من خلال مشوارك الطويل في المسرح أسلوبا وفريقا مميزا، حدثنا عن مسرح “كيف”؟
مسرح “كيف” ليس أسلوبا وفريقا فحسب، نحن اليوم أول تعاونية مسرحية في السعودية وربما الخليج فهو كيان حقق ريادة لا ينكرها منصف، مسرح “كيف” داعم لباحثين استعانوا بالمكتبة التي تضم عشرات الكتب والمواد الأرشيفية والدراسات والأبحاث، ومد يده للمواهب في مبادرات مختلفة في شتى الفنون المسرحية، وكنا اول فرقة متخصصة في مسرح العرائس وأصدرنا اول مجلة متخصصة في المسرح، ونجهز لإنتاج بود كاست المسرح أيضا، والعديد من المبادرات التي لفتت الانتباه لهذا الفن بشكل مؤسسي انتقل بالمحاولات الفردية إلى تنظيم إداري ومالي ومنهجي ساهم في العديد من المناسبات وقدم خدماته للكثير من المهتمين والجمهور.
يقدم “مسرح كيف” العديد من المبادرات، لماذا تهتمون بتقديم المبادرات وماذا تقدم لكم؟
دعيني أقول الحقيقة، بكل الجهود المحترمة والطموحة لم يأخذ المسرح السعودي حقه حتى الآن بما يليق بالتقدم الذي تشهده باقي القطاعات، المسرح السعودي يحتاج لخطة استراتيجية متينة، نابعة من علاقة مباشرة بالميدان، ودراسات استطلاعية يقوم بها ويحللها الباحث الذي يحتك بشكل مباشر بالجمهور والفنان والمنتج والمؤسسات الممكنة على حد سواء.
مسرح كيف واحد من كثير يقدمون مبادراتهم كمحاولات لرأب التصدع بين المسرح والجمهور، بين المسرح وانواعه، بين المسرح والمنتج، بين المسرح والمسرحيين، وحتى بين المسرحيين أنفسهم، كل المسرحيين يتفقون أن هذا الوطن العظيم سيتمكن من مسرح ناهض قوي يقود الفن العالمي إذا ما هيء له الفريق المهني الشغوف والوطني والصادق مع نفسه ليكون صناعة يشار إليها بالبنان من كل العالم. وأعتقد بأننا نلمس شيء من التغيير والتحسين لكنه بطيء بعض الشيء مقارنة بإيقاع التغيير الذي يحدث في قطاعات أخرى.
هل لدينا أزمة نص في مسرحنا السعودي؟
هذه كذبة من قصروا في إنتاج أعمال جيدة، ووهم العاجزين عن الكتابة، والمستفيد الوحيد من هذه الخرافة ثلة من المقاولين والوافدين العاطلين عن العمل او الطامعين في أخذ مكان الكاتب المحلي.
الأزمة الحقيقية هي أزمة إدارة، لا نجد كفاءة مسرحية تؤثر في تشريعات المسرح أو خططه، وهناك أزمة منتج، فالمنتجون ليسوا إلا متعهدي حفلات لا يدفعون قرشا من جيوبهم، ولا يؤمن أحدهم بالمسرح أصلا، وأزمة نقد روجت باستعلاء أن المؤلف السعودي ضعيف بالرغم أنه يتصدر الاهتمام في رسائل وأبحاث أكاديمية خارج الوطن.
هل لدى مسرحنا جمهور؟
بالتأكيد، الجمهور هم الناس، المجتمع، والمجتمع لم يجد مسرحا دائما طوال العام، يسجل حضوره في الحياة اليومية ويلامس وجدانه ويسهم في تشكيل ذائقته ويناقش قصصه وتراثه وقضاياه ويقدم له حكايات مشوقة ويقدم له عروضاً مبهرة.
الجمهور عازف لأنه لم يبنِ علاقة مع هذا الفن، ولا توجد بنية تحتية وعروض مقيمة تصنع نجوم وحكايات أصلية. ومازالت المؤسسات والفرق المتخصصة بحاجة للكثير لتتمكن من تقديم نجومها وعروضها بشكل دوري كما يحدث في سائر العالم.
وكلنا نرى النجاح الكبر الذي تحققه هيئة الترفيه بعروض جسرت العلاقة بين النجم المحلي والعربي والجمهور الكبير الذي يتسابق على حجز مقاعده فور الإعلان عن العروض.
أسست منهجية لصناعة التجربة المسرحية وأعلنت مؤخرا عن قالب مبتكر، حدثنا أكثر؟
عندما بدأت المشروع قبل عقدين تقريبا، كنت أحاول الخروج من فكرة التجريب التي تعتمد على الصدفة واللامنهجية إلى شكل منهجي واضح، هذه المحاولة نابعة من اهتمامي ودراساتي العليا للبحث العلمي، حينها كنت أتساءل “كيف أقدم مسرحا يناسب هذا الجمهور؟” جمهورنا المتنوع عرقيا وثقافيا في لهذا الوطن الشاسع.
لذلك صممت منهجا واضحا يعتمد “التجربة” فكل شيء قابل للتجربة وكل تجربة تعطي نتيجة، والنتائج تعكس محددات تعين كل صانع للمسرح على معرفة الذائقة واكتشاف أسرار التلقي الفردي والجمعي وبناء على عدة تجارب تجاوزت (15) عاما من البحث والتجربة وتوصلت لوضع هذه المنهجية في كتاب مسرح كيف.
أما القالب المبتكر فهو “الكوميديا الارتجالية التفاعلية” التي تجعل من الجمهور ممثلا مؤثرا في العرض وقدمت في هذا القالب تجربتين وأعمل حاليا على الثالثة والتي ستنطلق قريبا في مقر جمعية مسرح كيف التعاوني في حراء مول.
ماهي خططك المستقبلية؟
حاليا أطلقت مبادرة مسرح الشباب (شغف) والتي استقبلت (132) متقدماً، واخترنا منهم (40) موهوباً وموهوبة مجانا، وتعتمد المبادرة على تأهيل الشباب وتمكينهم من فرص تطبيقية ومشاريع يحصل المتميز منها على فرصة للعرض مع الجمهور استثمارا لطاقاتهم الإبداعية. ونعمل على إنتاج عرض لمسرح العرائس، وانتهينا من دراسة مشروعين ضخمة للإنتاج المسرحي والحصول على شهادة ملكية فكرية لها وتعد الأولى من نوعها عالميا، ونبحث من خلال مسرح كيف على استقطاب مستثمرين لإنتاجها بشكل احترافي.
المصدر: http://a.alyamamahonline.com/ItemDetails.aspx?articleId=17924