أولا: من يدير قطاع المسرح؟
هل تكون إدارة القطاع بمن يمنح التراخيص، أو من يراقب المحتوى، أو من يصنف المهنيين، أو من يحمل لفظ “مسرح” في مسماه.
إن واقع إدارة قطاع المسرح -وحتى هذه اللحظة- يعيش ما يمكن تسميته بنزاع الاختصاص، حيث نجد الجمعيات تقع تحت إشراف الموارد البشرية، ولكن المحتوى يخضع لرقابة الهيئة العامة لتنظيم الإعلام ورخص العروض المسرحية من هيئة الترفيه ويشترط على الفرق المسرحية المرخصة حديثا من وزارة الثقافة أن تستخرج سجلا من وزارة التجارة، ولكن اندية الهواة لا تحتاج إلى هذه الإجراءات لكنها لا تمتلك الحق في فتح حسابات بنكية لتنظيم عملها المالي.
هذا كله يحدث في ظل سباق محموم بين الهيئة العامة للترفيه ووزارة الثقافة وهيئة السياحة وغيرهم لإنتاج العروض المسرحية مما يجعل مؤسسات وفرق المسرح أمام منافسة قوية تكاد تعيق ولادة المستثمر في القطاع المسرحي وهو ما يصعّب الأمر على المسرحيين الذين بالكاد يجدون فرصة للعمل وهم بعيدون عن أعباء الإدارة والتجارة والتسويق والنظرة القانونية لطبيعة العمل في أي كيان مسرحي.
هذه المعضلة تدفعنا للحديث عن الفرق ونحن لم نجد إجابة صريحة على سؤال من يدير هذا القطاع فعلا؟
ثانيا: هل لدينا فرق حقا؟
اعتدنا على أن الفرق نوعان، قطاع عام وقطاع خاص، والقطاع العام ينعم بدعم الدولة ويكون توجهه فكري، وطني، يحافظ على هذا الفن ويقدمه بما فيه من ثقل إبداعي، ومن خلال وجود الخبراء يحتك الموهوبون فيكون مصنعا للأجيال، ومنافسا في المهرجانات باسم الدولة.
والقطاع الخاص يكون للمسارح التي تحتفي أكثر بالنجوم والمحتوى التجاري والحريصة على تحقيق الأرباح والعمل في المواسم كالإجازات والأعياد والمناطق السياحية.
ونشأ في الآونة الأخيرة في السعودية وأعتقد بأن الخليج يتجه إلى ذلك، الفرق المسرحية التابعة للقطاع الثالث، الفرق غير الربحية التي تؤدي دورا اجتماعيا بحضورها الفني، كفرق بسيطة شابة كما هو حال أندية الهواة، أو جمعيات مؤسساتية تخضع لحوكمة واضحة وأنظمة ولوائح معتمدة من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أو المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي.
هذه الأنواع الثلاثة هي الأشكال الرسمية للفرق المسرحية ولأني مررت بهذه الأنواع كلها أعتقد بأن لكل نوع ميزات وعيوب ..
ومن مميزات العمل في مسرح القطاع العام وجود ميزانيات ثابتة للإنتاج ومكافآت للعاملين ودعم لوجستي وبنية تحتية وغطاء شرعي مرخص كما هو حال مسرح الجامعات وجمعيات الثقافة والفنون وهذا يحقق فرصة أكبر لاستدامة الإنتاج المسرحي.
ومن عيوبه أنه لا يعطي فرصة لثبات الرؤية الإبداعية وذلك لاختلاف المدراء وتغيير المسؤولين والمخرجين وفرق عمل غير ثابت فنجد الإنتاج متباين ومتنوع.
ومن مميزات القطاع الخاص، أنه لا يخضع لقرارات المؤسسة الحكومية وتقلباتها وتغيير المدراء فيها ولديها حرية أكبر في قراراتها الإنتاجية.
لكن من عيوب مسرح القطاع الخاص أنه يتوقف عندما لا تتحقق الجدوى الاقتصادية وهذا نتيجة لاحتماله أعباء كثيرة في الجانب اللوجستي والإنتاجي والتراخيص الرسمية.
ومن مميزات المسرح في القطاع الثالث، أنه مدعوم من الدولة وله حوكمة معدّة مسبقا ومطبقة على جميع المؤسسات غير الربحية وهذا يعزز من الشفافية والقدرة على العمل بشكل منظم ومتسق مع الدور الاجتماعي للمسرح.
لكن من عيوبه أنه فقير وهش وغير مجد اقتصاديا وينتظر التبرعات والإعانات واستدامته لا تتحقق مع تقييد الاستثمار في هذه المنظمات.
وأضيف لهذه الأشكال الثلاثة التعاونيات، وهي منظمات هجينة تستفيد من اهتمام الدولة وتمتلك قدرات القطاع الخاص، وتتمتع بالمرونة التي يتحلى بها القطاع الثالث، وتجربتنا في مسرح كيف أثبتت أن المنظمة التعاونية شكل مناسب جدا للمسرح في بيئة مثل بيئتنا التي يحتاج فيها المسرحي إلى مساحة للاستدامة والاستثمار والاستفادة من الدعم الحكومي.
لكن صعوبة المسرح التعاوني تكمن في احتياجه إلى رغبة جادة لدى فريق من المسرحيين للعمل كشركاء في جمع رأس المال وتصميم هيكلة وصياغة سياسات وتخطيط استراتيجية لرؤية واضحة.
إن المسرح التعاوني يأخذ أفضل ما لدى الأنواع الثلاثة فهو يأخذ من القطاع العام: الدعم والاهتمام الحكومي الذي يساند المنظمة في التأسيس والتطور.
ويأخذ من القطاع الخاص: ثبات الرؤية واستراتيجية الاستثمار الذي يحقق الاستدامة
ومن القطاع الثالث: الحوكمة والعمل المؤسسي والدور الاجتماعي الموجه للأعضاء
ولكن للأسف لا أعرف إن كان هناك تعاونيات مسرحية في الخليج غير مسرح كيف.
ثالثا: أين المسرح في مدينتك !
إن بناء المسارح عمل تفاخر به الأمم، ويعد واحدة من ملامح الحضارة والقوة الناعمة منذ زمن بعيد، حتى وإن لم تكن معدّة للعروض المسرحية فهي تكون حاضنة لأهم الفعاليات الرسمية الفاخرة، وكما تفتخر بعض البلدان بملاعبها تفخر بعضها بمسارحها، ولكن في الخليج، والسعودية بالذات وعلى اتساع مساحتها ونشاطها الكبير في المسرح الجماهيري لا يوجد بها ما يحقق تطلعات المسرحيين، بيد أن الجهة الوحيدة التي قامت ببناء مسارح جماهيرية ونجحت في تنشيطها هي الهيئة العامة للترفيه، ففي عام 2021 كنت شاهدا على بناء (7) سبعة مسارح في أربعة أشهر حدث ذلك أمام عيني وتشرفت بالمشاركة في إنتاج معظم ما عرض عليها في بوليفارد رياض سيتي ومنها مسرح بكر الشدي ومسرح محمد العلي.
هذا القصور الكبير لدى باقي المؤسسات التي تشارك في إدارة القطاع والتي لم تسهم في بناء المسارح وبنية تحتية لائقة؛ يدفع المسرحيين إلى استخدام الفضاءات الممكنة لتفعيل المسرح فيها مثل الحدائق والشوارع والأسواق والمقاهي.. وربما اتجه مسرح كيف في هذا السياق من خلال العمل على المسرح المفتوح وتأسيس مسرح العرائس في حراء مول بجدة وأيضا التجربة التي اشتهرت للمسرح الارتجالي التفاعلي في (صادق النمك) العرض الذي قدم في مقهى واستقبل جمهورا رائعا وصنع أجواء مختلفة في جدة والقاهرة.
لكن التطلع لنمو المسرح وتطور حراكه والتجلي في إبداعاته والإسهام في فن المسرح العالمي لا يكون في ظل هذه الظروف القاسية للعمل المؤسسي والوعي المحدود لأهمية التنظيم الإداري لدى صانع القرار في قطاع المسرح وذلك لأن ثمة أنواع مسرحية بحاجة لرؤية تراعي التنوع ليكون وجوده الثقافي ودوره الإبداعي ومكانته التنويرية وحضوره الأدبي والفني ممكننا ومنظما وأهمية دعم البحث والابتكار وتقدير العمل الأكاديمي في الفنون المسرحية.
والسؤال الأخير: أين المسرح الوطني؟
أسئلة في المسرح – ورقة مقدمة للمشاركة في مهرجان المسرح الخليجي 14 في الرياض سبتمبر 2024