المسرح السعودي عبث

يرى صاحب السمو الملكي الأمير عبدالرحمن بن مساعد بأن المسرح عموما دخيل على الحضارة العربية وذلك لأنه:
1- ليس مؤثرا في الثقافة العربية.
2- لا يمتلك نفس أدوات التأثير التي يتمتع بها في حضارته الأصلية.
3- يختلف عن الدراما التي تصل إلى المتلقي حيثما كان، بعكس المسرح الذي يتطلب حضورك إليه.

وأعترف بأني معجب للغاية بالثقافة الواسعة لصاحب السمو، ومهتم جدًا بوجة نظره التي تتكرر في ذهني منذ أن رأيت مقابلته التلفزيونية التي أعلن فيها عن هذ الرأي، وقد رأيت له مساهمة مسرحية قديمة، إذ قام بأداء دور تمثيلي يعبرعن الملك عبدالعزيز آل سعود غفرالله له، ويُعرف عن شعر أميرنا ذلك الأسلوب الدرامي الساحر، الذي يعتبر واحدة من مقومات جمال قصائده الرائعة.

وإذا سلمنا بأن رأي الأمير عبدالرحمن صحيح (نظريًا) إلا أن رأيي المتواضع يرأه غير دقيق (منطقيًا) فتأثير المسرح في الثقافة الإنسانية كبقية الفنون والممارسات الحضارية يأتي بحسب سنة الله تعالى في الأرض بتنقله بين الأمم فإذا كان المسرح ناشئًا عند الإغريق في القرن السادس قبل الميلاد من خلال المناسبات الدينية والوطنية وساهم بدوره المؤثر في تنمية ذلك المجتمع فإن الممارسة المسرحية انتقلت (دخيلةً) إلى الرومان في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد ثم بدأ الانتشار في أوربا في القرن الميلادي الخامس عشر دخيلاً على الإيطاليين الذين غيروا شكل الفضاء المسرحي، ثم انتقل إلى الفرنسيين الذين قدموه لأغراض الترفيه والسخرية والإضحاك، وجاء بعدهم الإنجليز الذين قدموه للبلاط الملكي وكسروا القواعد الأرسطية ثم الألمان الذين أسسوا لهدم الجدار الرابع … وهكذا حتى جاء دور العرب فمارسوه بطريقتهم الخاصة مستفيدين من النَفس اللغوي / الأدبي الذي يغلب على الثقافة العربية وحسب حاجة مجتمعاتهم، فكونه وصل متأخرا لايمنع من تأثيره وكونه دخيل على الثقافة العربية لا يمنع من احتواء الثقافة العربية له وبراعة العرب فيه وتمكنهم من ممارسته بقدرات إبداعية ولنا في منافسة العرب على مستوى مراكز و مهرجانات المسرح العالمي دليل واضح على توائمه مع الثقافة العربية كما توائمت معنا التكنولوجيا والكثير من المستجدات التي تمارسها الإنسانية.

لذلك (منطقيًا) نستطيع أن نقول أن المسرح مؤثر متى ما أخذ فرصته في التنشيط والصناعة والتخطيط ولذلك نحن نظلم المسرح في السعودية إذ أنه لم يكن موجودًا في جملة التنمية وأكبر دليل على ذلك بأن المؤسسات الثقافية لاتمتلك بنية تحتية لتنشيطة ولا كيانات لممارسيه ولا تنظيم واضح لتشجيع مبدعيه، ولمن يسأل عن أسماء المسرحيين السعوديين سيجدها مسطرة على منصات الجوائز خارج المملكة.. وفي تزاحم الأسئلة المؤلمة نجد السؤال المنطقي يلح صارخًا (لماذا لم تُهيأ للمسرح فرصته للتأثير في الثقافة؟) فنجد الإجابة المرعبة تقول بأن هناك تعطيل ما للتنمية المسرحية العربية وتشير أصابع الاتهام لكل مؤسسة معنيّة حصرت المسرح في حفلات رسمية أو مهرجانات سياحية فغُيب المسرح الحقيقي القادر على التأثير.

ولذلك نجد بعض الدول العربية تنبهت لذلك وأنشأت المسارح والمرافق والكيانات وشجعت الحراك المسرحي بالمسابقات والمحافل المحلية والدولية وأدرجته ضمن موادها وأنشطتها الدراسية والجامعية وفتحت له سوق العمل واستخدمته كواحدة من قواها الناعمة داخل البلاد وخارجها.

ومسألة أن الدراما التلفزيونية في تطور ليس السبب أنها تصل إلى المتلقي حيثما كان؛ والمسرح يتطلب حضوره إليه، بل السبب أن الدراما التلفزيونية تتمتع بالكثير من الأدوات مقارنة بالنشاط المسرحي مثلًا:

جمعية المنتجين السعوديين فعالة جمعية المسرحيين السعوديين متوقفة منذ 2015
تراخيص مؤسسات الإنتاج تمنح سجل تجاري تراخيص الفرق لا تمنح سجل تجاري
يسمح له بفتح حساب بنكي لايمكنه فتح حساب بنكي
موافقات التصوير منظمة ولها تسهيلات موافقات العروض المسرحية مطولة
الإنتاج التلفزيوني تشتريه هيئة الإذاعة والتلفزيون الإنتاج المسرحي لا تشتريه هيئة الإذاعة والتلفزيون
يوجد مواقع واستديوهات للتصوير المسارح المجهزة للعروض نادرة ولجهات خاصة

وتأكيدًا على ماسبق فإن استفهامنا (المنطقي) كيف نوقف العبث بالمسرح السعودي؟ .. وأجيب بأن المسرح في المملكة العربية السعودية بحاجة إلى خطة عاجلة، تنسجم مع رؤية السعودية 2030 نتمكن بها من توفير بنية تحتية وافتتاح أقسام المسرح و سن قوانين ولوائح تنظيمية وتعزيز الإنتاج الداعم لسياسة الوطن واتجاهاته الثقافية والحضارية وافتتاح سوق عمل للمسرح كصناعة خلّاقة تتبنى الموهبة وتمكنها من العمل ضمن سياق التنمية لخدمة الأنساق الاجتماعية على حد سواء.


  • الصورة للممثلان سامي الزهراني وعبدالرحمن المزيعل من مسرحية ” تشابك” التي قدمتها فرقة الوطن المسرحية والتي قد فازت بما يلي:
    – بجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل في مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي كما فاز مؤلفها فهد الحارثي بأفضل نص مسرحي.
    – وفي الجنادرية حققت جائزة أفضل عرض مسرحي، وجائزة أفضل نص للكاتب فهد ردة الحارثي، وجائزة أفضل إخراج للمخرج أحمد الأحمري، وجائزة أفضل ممثل أول «مناصفة» بين بطلي العرض الفنان سامي الزهراني والفنان عبدالرحمن المزيعل.
    – وفي مسابقة عكاظ للإبداع المسرحي حصلت على جوائز أفضل ممثل أول عبدالرحمن المزيعيل، أفضل ديكور صديق حسن، أفضل تأليف فهد الحارثي، أفضل إخراج أحمد الاحمري، أفضل عرض مسرحي.