ياسر مدخلي مؤسس (مسرح كيف)
لقد بدأ مدخلي من خلال مشروعه الموسوم (مسرح كيف) بالبحث عن طريق جديدة لصناعة العرض المسرحي، مما دفعه لتصميم عدة عروض وتقديم مبادرات رصد من خلالها اتجاهات الجمهور وتمكن من التعامل بشكل مميز مع كافة عناصر العرض من تأليف وتمثيل وسينوغرافيا وإخراج…
وكانت الفترة التي قضاها مدخلي بين ٢٠٠٦ و ٢٠١٦ مليئة بالتجارب والمشاركات التي نتج عنها هذا الأسلوب المسرحي الذي يعتمد على نظرية التجربة التي تتلخص في أن كل سلوك في الحياة خاضع بشكل مقصود أو غير مقصود للتجربة التي تبحث عن نتيجة (ردَّة الفعل) مواجهة لهذا السلوك، سواء بالرفض أو القبول، وكل ردود الفعل عبارة عن سلوكيات تخضع أيضا لفكرة التجربة وهكذا دواليك.
والعمل المسرحي واحد من ضروب الانتاج الاجتماعي الذي يعتبر في نظري إفراز للظروف والعادات والتقاليد، وتؤثر فيه الحالة الاجتماعية لدى فريق العمل والمتلقي، ودراسة المسرح لا تكون (كاملة) إذا اقتصرت على النص فقط (أدبيا) كما هو الحال في علم اجتماع الأدب فنحن بهذا نتجاهل ردة فعل المتلقي وهو ركن ركين من أركان المسرح، وإذا جاءت نظرتنا منغلقة على العرض كما في أسلوب السايكودراما العلاجي فنحن نتجاهل اللبنة الرئيسة في صناعة العرض.
قد يرى البعض أنها فكرة معقدة لأنها تحتاج إلى مباشرة الحدث وتسجيله وملاحظته بدقة، ومراقبة عناصره منذ بدء التكوين للتجربة المسرحية وحتى ممارستها كحياة .. وما بعدها.. وهذا التعقيد هو سمة يفرضها علينا هذا الفن الآني الخالد إذ لا يصح أن يُعرف المسرح بأنه فن اللحظة ونقوم بدراسته بعد انتهاءه؟! فمن لم يرصد أحداث صالة العرض سيقدم انطباعا لا يعدو كونه توقعات وتكهنات لن تقارب الصدق والواقع.
وكذلك يحتاج هذا العلم راصدا نابها ذكيا مثقفا مسرحيا واجتماعيا وباحثا متمكنا من أدواته لتعينه على التعمق في الفهم لما يرصد من سلوكيات.
طبَّق من خلال دراسته في دبلوم الدراسات العليا في البحث الاجتماعي بجامعة الملك عبدالعزيز بين جدة والرياض والدمام بمباشرة بعض العروض ، بضبط مايحدث من سلوك المؤدي والمتلقي ووجد أمرا في غاية الدهشة جعله يؤمن بفكرة مسرح التجربة التي يتوقع أنها ستلهم الكثير من المسرحيين الذين يتوقون لممارسة اللعب مع المتلقي.
والمنهج البحثي العلمي الذي يخدم هذا أسلوب (التجربة المسرحية) هو المنهج ( الكيفي) الذي يعتمد الملاحظة والمقابلة وتحليل المضمون كأدوات رئيسة لتطبيق البحث والتجربة، ولايمنع ذلك من توزيع الاستبانات في حال رغب الباحث في رصد كمي يدعِّم نتائجه.
بذلك قدَّم تجاربا مختلفة مستندا على نتائج عروضه المسرحية سعى في إنتاجه إلى الموازنة بين المسرح الجماهيري والنخبوي من خلال (المسرح التجريبي) انطلاقا من المسرح الفقير ومناقشة العديد من القضايا الاجتماعية، عرف بمسرحية (خطيرين) كانطلاقة فرقة كيف للفنون المسرحية وأخرج عددا من المسرحيات أبرزها (عزف اليمام ، ظلا ، مجانين) التي اعتمدت بشكل كامل على عدّة تجارب أبرزها (تعميم الزمكنة، التكثيف اللغوي، نص الإشارات ، والمسرحية القصيرة جدا) وتعتبر تجربة ظلا إحدى التجارب المسرحية البحثية التي توصل من خلالها للمعايير المهمة لصناعة مسرحية نموذجية للجمهور السعودي الذي يظن أنه بحاجة إلى أسلوب إنتاجي خاص لضعف الحركة المسرحية الجماهيرية محليا مما كوَّن بالضرورة ضعفا في التلقي، و كتب العديد من النصوص المسرحية منها (عزف اليمام، يوم العنادل، غيُّ فاوست، أسطورة عقيستاء، ظلا) حيث تنوعت نصوصه المسرحية في تجاربها التي تشكلت عند عرضها خصوصا وأنه كانت تطغى عليها النزعة الإنسانية والقضايا الاجتماعية الشائكة حيث يعتقد بعالمية لغة المسرح، خصوصا وأن المجتمع السعودي من أكثر المجتمعات تنوعا من حيث الأعراق.