ياسر مدخلي

نجاح الإدارة الثقافية

بالنظر إلى الإدارة الثقافية نجدها مهام تجمع بين الجوانب الكمية (الأرقام) والنوعية (الأثر).
الأرقام تُمثل المقاييس المادية مثل الميزانيات، عدد المشاريع، أو حجم الجمهور أو المستفيدين، والأرقام ضرورية لتقييم الأداء وتخصيص الموارد. أما الأثر فيتعلق بالتغيير الذي تحدثه هذه الإدارة في المجتمع، كتعزيز الهوية، نشر الوعي، أو إلهام وتشجيع المبدعين.
لتحقيق النجاح، تحتاج الإدارة الثقافية إلى:
تحديد أهداف واضحة: استخدام الأرقام كأداة لقياس التقدم نحو أهداف محددة (مثل زيادة الحضور بنسبة معينة).
التوازن بين الكم والجودة: لا يكفي التركيز على عدد الحاضرين أو المشاريع فقط، بل يجب قياس مدى تأثير مخرجاتها على المجتمع ومشاركة المثقفين، واستدامة الأثر كقوة ناعمة ورموز ومنتجات تحقق حضورا طويل المدى.
التكيف والابتكار: تحليل البيانات (الأرقام) لفهم احتياجات الجمهور وتطوير مبادرات ثقافية ذات أثر طويل الأمد.
الشراكات والتمويل: الاستفادة من الأرقام لاستقطاب رؤوس الموال وتنمية اقتصاديات الثقافة وتعزيز أهمية الأثر الثقافي في مجالات الاستثمار.
وبذلك يكون نجاح الإدارة الثقافية يكمن في استخدام الأرقام كبوصلة لتوجيه الجهود، مع التركيز على خلق أثر مستدام يتجاوز المقاييس الكمية.

مثلا: إدارة القطاعات الثقافية:
المنظمات الثقافية بمختلف أنواعها وتخصصاتها تعتمد على مؤشرات كمية لتقييم أدائها، مثل:
فالنجاح بالأرقام يقاس من خلال
الأعضاء: كم شخص انضم إلى النادي؟ هل هناك نمو سنوي في العضويات؟
الفعاليات: كم عدد المناسبات التي أُقيمت؟
الميزانية: بين التخصيص والإنفاق؟ هل هناك عائد مادي أو دعم إضافي؟
الحضور: كم عدد المشاركين في كل نشاط؟

لكن الأرقام في قطاعات الثقافة غير كافية لتحديد مستوى النجاح.. فالأرقام بدون أثر هي أرقام هدر وفشل وليست أرقام نجاح..

النجاح بالأثر يقاس من خلال القيمة النوعية التي تضيفها المنظمة للمثقفين والمجتمع، مثل:
تعزيز الانتماء: هل ساعد النادي في بناء مجتمع ثقافي متماسك؟
التعليم والإلهام: هل قدم برامج أثرت في مهارات الأعضاء أو فتحت آفاقاً إبداعية جديدة؟
التواصل الثقافي: هل نجح في ربط الثقافات المحلية ببعضها أو بعالم خارجي؟
الاستدامة: هل ترك أثراً يستمر حتى لو تغيرت القيادات أو الظروف؟

مثلاً، إذا أقام “نادي هواة” ورشة كتابة إبداعية وحقق 30 مشاركاً، لكن أحدهم نشر كتاباً لاحقاً بفضل تلك الورشة، فهذا أثر كبير يتجاوز الأرقام.


إن التباهي بزيادة عدد الفعاليات، لا يكون مجديا إلا إذا جذبت عددا كبيرا من الحضور وحققت إيرادا عاليا، وكان أثرها الاجتماعي واضحا في ردود الفعل وانطباعاتهم حول المحتوى والتنظيم، ومن الأهمية بمكان أن تحقق المشاريع تمكينا للمتخصصين وتنمية للمواهب وتعزز الثقافة المهنية لديهم بما فيها من احترافية فنية وإنتاجية.


ونجاح الإدارة الثقافية تقوم بشكل رئيس على أربع أركان:
الأولى: التخطيط الاستراتيجي، وهو يشمل كل ما يتعلق بإدارة العمل الثقافي إداريا وفنيا وسياسات تؤطر العمل وتخلق له هوية واضحة وأهداف قابلة للتنفيذ ومهام مواكبة وأداء يقاس باستمرار.
الثانية: اشتراك المبدعين، حيث يجدون أنفسهم في بيئة آمنة وعادلة لممارسة إبداعهم وتطوير قدراتهم في سياق الاستراتيجية الثقافية السليمة.
الثالثة: إعجاب الجماهير، الحضور لا يكفي، الإعجاب هو ردة الفعل التي تؤكد على تأثر الجماهير، وتبنيها للمشروع الثقافي ودعم العاملين فيه والجهة المنظمة له.
الرابعة: الاستدامة، حيث تهدف هذه الخطة إلى نمو الأثر الثقافي في المجتمع ومساهمته في تشكيل ذائقته وزيادة الاهتمام بالمنتج الثقافي، وأيضا نمو الأثر الاقتصادي الذي يتجاوز الجدوى الربحية إلى الاستدامة التي ترفع من مستوى المحتوى واستثمار الملكية الفكرية لتحقق عائدات تسهم في إطالة عمر المشروع وأثره.

وأجد أنه لابد من التنويه بأن (القيادة) هي كلمة السر لنجاح الإدارة الثقافية.

شارك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top